مسألة العنصرية والصورة النمطية تجاه السود في تونس ليست من المواضيع المسكوت عنها، بل هي من الظواهر التي ينكر المجتمع التونسي أصلا وجودها، وموضوع الألقاب التي تحمل رمزية تاريخ العبودية في تونس تدخل في هذا الإطار.
العديد ممن يحملون هذه الألقاب يرفضون الحديث في المسألة فقد كان من الصعب خلال التحقيق الذي قمنا به العثور على أشخاص يقبلون الإدلاء بشهاداتهم أو الحديث عن تاريخ ألقابهم، كما أن أغلب هؤلاء الأشخاص لا يسعون لتغيير ألقابهم.
ومن المحتمل أن يعتبر العديد من التونسيين إثارة هذا النوع من القضايا المتعلقة بالعنصرية "فتنة" تسعى أطراف خارجية لخلقها لتفرقة التونسيين، هذا رغم أن الموروث التونسي يثبت العكس فهو حافل بالصفات والأمثال والمصطلحات العنصرية.
سعدية مصباح رئيسة جمعية "منامتي" التي تدافع عن حقوق السود في تونس أدرى بذلك لاحتكاكها بالواقع من خلال عملها في الجمعية، فهي تعتبر أن أغلب التونسيين لا يعترفون بوجود العنصرية و"ينكرون وجود تمييز إزاء السود".
تصوير: صبرا المنصر/ فرانس24
وإثارة قضية تغيير الألقاب وفق قولها، أحدثت الكثير من الاستغراب فيما اتهمها آخرون بزرع الفتنة.
وذكرت سعدية مصباح أنها سمعت ما يكفي من "الجملة الشهيرة: أنتم أيضا صرتم تتكلمون!!" هذه الردود المتكررة تكشف، بالنسبة لمصباح، أنه وفي مخيال المجتمع التونسي "الأسود لا يحق له التعبير".
ولتفسير رد الفعل هذا قالت فتحية السعيدي المختصة في علم النفس الاجتماعي لفرانس24 "إن العنصرية والعبودية لا تزال حاضرة في المخيال الجمعي التونسي الذي يُحكَى من سنين وفيه وصم للأشخاص الذين يحملون بشرة سوداء، ويقال بشكل منتشر". ثم أضافت "هذه الكلمات دخلت في الحس العام المشترك ولم تقع إدانتها أو الإشارة إلى أن فيها عنصرية". ووفق السعيدي فإنه "اليوم وعندما بدأ ظهور الوعي بأن هذه الكلمات تحمل شحنة عنصرية، بدأ طرح التساؤلات".
ومن بين الكلمات التي تطرقت إليها فتحية السعيدي، كلمة كحلوش وكلمة وصيف التي تستخدم وكأنها عادية في حين أنها كلمات تحمل مضمونا عنصريا. ومازال التونسيون وفق توضيح السعيدي، يستخدمون هذه الكلمات لأن الثقافة التقليدية مازالت في نزاع مع الثقافة الحديثة وفي نزاع مع ثقافة حقوق الإنسان رغم أنها -حقوق الإنسان- تدرس في المدارس التونسية منذ عقود.
وبعد ثورة 14 يناير العام 2011 "ونحن، التونسيين، بصدد صياغة مواطنتنا لم نصل بعد لدرجة المواطنة، بمعنى الفرد في ذاته، بقطع النظر عن انتمائه إلى جماعة ما أو عائلة أو أصل أو لون…" وبالتالي أكدت السعيدي أنه يجب إرساء ثقافة جديدة يتقاسمها الحس العام المشترك.
وعندما سألنا فتحية السعيدي لماذا لا يسعى العديد ممن يحملون ألقابا تحمل معنى العنصرية أو العبودية كشوشان أو "عتيق فلان" لتغيير ألقابهم، قالت إنهم "لا يسعون لتغييرها لأن الإنسان عندما يولد وله لقب معين لا يرفضه ولا يرفض اسمه، لأنه لم يختره. ويعيش وهو يحمله ويصبح بالنسبة له في حكم العادة، وعلى المستوى العام أصبح هناك تطبيع مع هذه الألقاب" أي لم تتم مراجعتها وتقييمها وتصنيفها كألقاب عنصرية… لهذا لا يفكر الكثيرون في تغييرها.
أما بالنسبة للكلام العنصري فإنه أحيانا يقابل بالصمت ليس لأن الشخص الأسود يتقبله بل لأنه جرح وفضل أن يكتم هذا الألم، فيكون رد الفعل لاحقا إما بأن يبتعد عن مصدر المشاكل أو يثور فجأة... وقالت إن من يتعرض إلى هذه المضايقات يجب أن يرد الفعل مباشرة ولا يكبته حتى لا يرده يوما ما بشكل عنيف.
وأشارت السعيدي إلى أن أغلب الذين يردون الفعل هم الأشخاص المثقفون والواعون. ووفق تقييم السعيدي فإن هذه الظواهر الاجتماعية تتركز في مناطق متعددة في تونس وخاصة في المناطق المغلقة، بحكم موقعها الجغرافي المغلق كجزيرة أو شبه جزيرة، أو المناطق الصحراوية أو المناطق الجبلية؛ ففي هذه المناطق المغلقة، ليس هناك انفتاح على الثقافات الجديدة أو أي تفاعل مع الآخر فهي لا تزال تعيش نوعا ما من ثقافة تقليدية تم إرساؤها منذ أجيال قديمة، من بينها رسوخ الفكر العبودي… ككلمتي حر وخادم… ولمعالجة ظاهرة العنصرية قالت السعيدي إنه يجب "أن يكون للدولة رؤية إستراتيجية في هذا الموضوع للحد منها والقضاء عليها".
وعلى المستوى التربوي يجب مراجعة مناهج تدريس حقوق الإنسان والتمييز العنصري، باعتبار أن المدرسة مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وبذلك يستوعب الناشئ التمييز بأشكاله: على أساس اللون، أو الدين، أو الجنس… كما يجب أن يدرك أثر التمييز نفسيا على المتلقي، فالتمييز العنصري يمس الكرامة والحرمة ومعنويات الأشخاص. وبالإضافة إلى المدرسة، نوهت السعيدي لدور الجمعيات ووسائل الإعلام في معالجة الظاهرة وتجنيد صحفيين مدربين من أجل التوعية وإحداث التأثير المطلوب.