FacebookTwitter



بخلاف لبنان، أكد الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى الآن أنه ما لم يحدث انتقال سياسي، فلن يُسمح بأي اتفاق مع الحكومة السورية حول عودة اللاجئين أو إعادة الإعمار. غير أنه بالنظر إلى سرعة التغيير السياسي في أوروبا اليوم، فإن مثل هذه المواقف قد لا تصمد لفترة طويلة.

يقول كريستين لويتش، رئيس المبادرة الألمانية السورية "تَبنَّى ثورة": "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو كيف يجد خطاب الجناح اليميني المتطرف طريقه نحو السياسة السائدة". أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا جعلت من الأسد، على غير المتوقع، خلها الأمين. حزبا اليمين المتطرف فورزا نووفا وكاسا باوند في إيطاليا والحزب الفاشي غولدن دون (الفجر الذهبي) في اليونان والحزب القومي البريطاني في المملكة المتحدة وفي ألمانيا الحزب الوطني القومي المتشدد وحزب البديل من أجل ألمانيا كانوا كلهم جزءا من الدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع الأسد. وقبل بضعة أسابيع، نشرت حركة الهوية اليمينية المتطرفة في برلين ملصقات تقول "الحرب انتهت، سوريا تحتاج إليكم"، سعيا منها إلى الدفاع عن عودة اللاجئين وإلى تطبيع العلاقات الألمانية مع النظام.

في الوقت الذي كانت فيه هذه المجموعات ذات يوم هامشية، فقد قويت شوكتها بسبب الإقبال على الانتخابات الأخيرة. يوضح لويتش قائلا "إننا نشهد تأججا كبيرا في مشاعر كراهية الأجانب في جميع أنحاء أوروبا. وعلى الرغم من أن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة تمثل أقلية متطرفة وينبغي عدم منحها حيزا بارزا، فإن الخوف الذي تثيره في مجتمعات المهاجرين واللاجئين حقيقي".

في مقهى قريب من حي نيوكلن المتعدد الثقافات في برلين التقينا شبابا سوريين، هم من أوائل من أسسوا حياة جديدة في العاصمة الألمانية. يقول أحمد ذو الـ25 سنة وكان يعمل في المجال الاجتماعي في الرقة (نورده بالفصحى) "عندما وصلت إلى ألمانيا لأول مرة عام 2014، كنت أعيش في سكن للاجئين في منطقة مارزاهن في برلين. لم يكن من الممكن فتح النوافذ ليلا لأن النازيين كانوا يأتون ويرمون عبوات المولوتوف". في أغسطس/آب 2018، أدى مقتل مواطن ألماني على يد لاجئ سوري في مدينة شيمنيتز إلى اندلاع مسيرات اليمين المتطرف وسلسلة من هجمات كراهية الأجانب، إذ قامت جماعات الأمن الأهلية "بملاحقة" الأشخاص ذوي البشرة غير البيضاء.

يقول يوسف، وهو مهندس شاب من حلب يعيش حاليا في برلين (نورده بالفصحى) "ربما الألمان بصدد إعادة النظر في وجودنا هنا، ونحن راضون". منذ عام 2015، لقي قرار المستشارة أنغيلا ميركل بفتح حدود ألمانيا لقرابة 800 ألف لاجئ سوري انتقادات شديدة من طرف السياسيين المعارضين وكذلك من طرف أعضاء حكومتهم.

ملصق في قطار الأنفاق في برلين يعلن برنامج ألمانيا للعودة الطوعية. © حنا كيرمز-دالي


عائلات من أجل الحرية في مظاهرة أمام السفارة الروسية في برلين، حاملين صور المفقودين على يد النظام السوري. © ديفيد ل. سوبر 2019.


سيدة تمشي في شارع صونينال في برلين. © حنا كيرمز-دالي



في السنوات القليلة الماضية، حصل معظم اللاجئين السوريين المسجلين في ألمانيا على حماية مؤقتة فقط بدلا من الحصول على وضع لاجئ بصورة كاملة، وهذا ظرف يعتبره الكثيرون دليلا على تغير موقف ألمانيا تجاه اللاجئين. يخبرنا أحمد (نورده بالفصحى) "يعتقد الكثير من السوريين أنه إذا تم تغريمهم في قطار الأنفاقU-Bahn ، فسيتم ترحيلهم، وإذا لم يصلوا إلى مستوى عال في اللغة الألمانية، فسيتم ترحيلهم، وإذا لم يدفعوا الضرائب فسيتم ترحيلهم. هذا شغلنا الشاغل كل يوم هنا، ابتداء من اليوم الذي نحصل فيه على وضعنا، نحن جميعا قلقون من فقدانه".

في عام 2017، بدأ المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين بإدراج السوريين كمستفيدين محتملين من برامج عودة المهاجرين، إذ يقدم حوافز مالية للسوريين الذين عادوا طواعية إلى سوريا. ولقد عاد 742 سوريا فقط من خلال هذا البرنامج حتى الآن، وحصل كل منهم على حافز نقدي شخصي يناهز 1200 يورو. لكن عمليات الترحيل القسري إلى سوريا محظورة حاليا، فقد أعلنت وزارة الخارجية أن سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين. ومع ذلك، دعا سياسيون مثل وزير الداخلية في بافاريا، يواكيم هيرمان، إلى إلغاء التقييم الأمني لوزارة الخارجية في المنتدى التالي لوزراء الداخلية في ألمانيا، الذي كان من المقرر عقده في نهاية عام 2019.


يقول يوسف (نورده بالفصحى) "تخيل لو أخبرتنا ألمانيا أن علينا العودة إلى سوريا غدا، قائلة هذا للأشخاص الذين حاولوا إعادة تأسيس حياتهم هنا واجتهدوا من أجل تعلم اللغة وعثروا على عمل وشرعوا في تكوين أسرة... كم سيكون الأمر مرعبا. لن أستطيع العودة إلى سوريا والسكوت، رغم علمي بالفظائع التي ارتكبها النظام وما زال".

هذا الخوف موجود لدى السوريين في جميع أنحاء العالم. يرى كثيرون منهم أنه إذا لم تتم إزاحة النظام وقواته الأمنية جانبا عن طريق شكل من أشكال الانتقال السياسي، فإن العودة غير واردة. يقول أبو هاجر، ناشط سوري مقيم في برلين عمره 32 سنة (نورده بالفصحى) "برلين هي مدينة المنفيين. الناس يعيشون هنا لأنهم لا يستطيعون العيش في مكان آخر أو لأنهم فقدوا الأمل في الأماكن التي تحطمت كل أحلامهم بالوصول إليها". ويختم حديثه بأن "الحرب التي تم تصويرها والحديث عنها ستنتهي قريبا. إذا لم يرحل الأسد، فإن ما سنشهده من الآن فصاعدا هو مجزرة ناعمة تحدث بصمت في أقبية السجون المظلمة المجهولة".

** أسماء جميع الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات والذين لا يظهرون في دور رسمي قد تم تغييرها لحماية هوياتهم.

مشهد حلول الليل في مخيم تل عباس في عكار. © لوكا سيلوني 2019.