FacebookTwitter



"نحن أطفالك يا بلدي.. نفديك.. وحبنا إليك أبدي.. مشتاقين والله"، هكذا يتغنّى بعض الأطفال وهم يركضون بحماس في ممر بين صفوف الخيام بمخيم صغير للاجئين السوريين قرب قرية تل عباس في محافظة عكار بأقصى شمال لبنان. إنه صباح العيد، وهو عطلة دينية مهمة في البلدان الإسلامية. ولم يعد من الممكن احتواء حماس الأطفال.

استمع إلى غناء الأطفال
:
00:21


تعيش هنا أكثر من 50 عائلة سورية داخل خيام بلاستيكية موزعة في صفين ومحشورة بين حقول التبغ، على بعد بضعة أميال فقط من الحدود السورية. الآباء والأمهات قلقون ينظرون لأطفالهم بمرارة. تقول ريان: (نورده هنا بالفصحى) "يستحسن أن لا يلعبوا على الطرق الرئيسية". فمنذ بضعة أيام فقط، داهم الجيش اللبناني مخيما مجاورا، واعتقل أكثر من 14 رجلا. منذ ذلك الوقت والجميع في حالة تأهب.



ريان، من الحولة بريف حمص، سوريا
© حنا كيرمز-دالي.
استمع إلى قصة ريان
:
00:48


ريان لديها سبعة أبناء وقد أخذت يوم عطلة من العمل. تقول مبتسمة "اليوم عيد على كل حال". في عام 2013، فرّت ريان وأطفالها من مسقط رأسهم الحولة بعد أن نجوا من مذبحة نفذتها القوات شبه العسكرية الموالية للنظام والمعروفة باسم الشبيحة. منذ ذلك الوقت، تعيش مع أسرتها في لبنان، حيث يعملون في أرض مزارع لبناني مقابل 5 دولارات في اليوم. ثلاثة من أبناء ريان السبعة ولدوا في مأوى بلاستيكي في لبنان. وهي تقول (نورده بالفصحى) "نحن نستأجر خيمة في نفس الحقل الذي نعمل فيه، حسب المواسم". ثم تضحك مشيرة إلى ابنها الأصغر ذي الثلاث سنوات "كلنا نعمل، باستثناء خالد طبعا".




صبي سوري على سطح الخيام في مخيم للاجئين بتل عباس. © لوكا سيلوني 2019.


رجل سوري يلعب النرد مع أصدقائه ويشربون الشاي. © لوكا سيلوني 2019.


غسيل منشور أمام منزل عائلة سورية في تل عباس. © لوكا سيلوني 2019.


عمالة الأطفال شائعة للغاية بين اللاجئين السوريين في لبنان. فالعديد من العائلات لا تجد أمامها خيارا سوى إرسال أطفالها إلى المدرسة حتى يكبروا بما يكفي لكي يعملوا. طفل واحد فقط من أبناء ريان ملتحق بالمدرسة. تقول ريان (نورده بالفصحى) "أعرف أن التعليم مهم. فأنا لست جاهلة، ولكن لا يمكننا العيش بطريقة أخرى".

عمر، زوج ريان، لا يستطيع العمل. فقد كان معتقلا في أحد السجون السورية لمدة أربع سنوات، ويعاني من ذُهان حاد بسبب التعذيب. وهو يجلس معنا على فرشة إسفنجية ويشعل السيجارة تلو الأخرى. مضادات الذُّهان تخفف من نوبات الصرع، بينما تفلت حياته من بين يديه. نادرا ما يغادر المكان باستثناء رحلة شهرية إلى مدينة طرابلس، حيث يذهب لجلب الأدوية.

تقول ريان (نورده بالفصحى) "أعيش كابوسا في كل مرة نضطر فيها لعبور حاجز تفتيش باتجاه طرابلس". على غرار الـ74% من السوريين في لبنان، ليس لعائلة ريان أي وضع قانوني، مما يعرضهم للاعتقال والاحتجاز بشكل تعسفي. وقد اعتقلت السلطات اللبنانية عمر أربع مرات عند نقاط التفتيش. وتضيف ريان (نورده بالفصحى) "حتى وصفة الطبيب لا يمكن أن تحول دون اعتقاله إذا تم توقيفنا. وفي كل مرة يحتجزونه، تعود له كل ذكريات التعذيب في السجن. لكن هل أمامنا خيارات أخرى؟".

أما عمر فصامت لا يرد من خلف سحابة دخان سيجارته.


منظر المسجد المحلي في قرية تل عباس. © سيلوني 2019.

يكسر الصمت وليد شقيق ريان الذي اقتحم الخيمة ضاحكا، وكان ابنه ذو السبع سنوات بالجوار خلفه يطلق رصاصات بلاستيكية في الهواء بمسدسه اللعبة الجديد. يعيش وليد وابنه في نفس الخيمة مع أسرة ريان منذ أن هدم الجيش اللبناني مأواهما في مخيم الياسمين في 24 نيسان/أبريل.

كان هدم مخيم الياسمين هو الأول من بين مخيمات عديدة، بعد أن قرر المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تشديد الإجراءات التقييدية تجاه اللاجئين السوريين، بما في ذلك تدمير جميع الهياكل الإسمنتية داخل المخيمات السورية. يقول علاء، وهو عامل في المجال الاجتماعي من المنظمة غير الحكومية القطرية ’اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA)‘ (نورده بالفصحى) "كنا نعلم أن الأمر يتعلق بعدم قانونية الهياكل الإسمنتية في المخيمات، لكن عندما وصل [الجيش] إلى هنا، هدم مقصورات المراحيض والهياكل الخشبية أيضا. وتم كذلك تدمير كل خيمة لا يسكنها أحد، بينما تم تحميل ونقل الأثاث والأجهزة المنزلية على متن شاحنات". وفي حزيران/يونيو 2019، تم تدمير أكثر من 5000 مبنى وأصبح أكثر من 30000 شخص بلا مأوى. يقول وليد مبتسما لأخته (نورده بالفصحى) "نحن محظوظون، فليس لكل شخص عائلة يمكنه العيش معها."

بقايا مخيم بر إلياس الذي هدمه الجيش اللبناني في تموز/يوليو 2019. © فريق الإعداد 2019.


سوريون يدمرون منازلهم في مخيم للاجئين في عرسال. © فريق الإعداد 2019.


بقايا مخيم ببنين للاجئين الذي أحرقه شباب لبنانيون بعد تصاعد التوترات المحلية وتحولها إلى عنف. © فريق الإعداد 2019.



كانت منطقة عرسال الحدودية في وادي البقاع الأكثر تضررا من عمليات الهدم المذكورة. وقد بنيت معظم الخيام في عرسال بالإسمنت بدلا من القماش لتتحمل تساقط الثلوج الغزيرة في فصل الشتاء. بعد الجولة الأولى من عمليات الهدم في حزيران/يونيو، أعطى الجيش اللبناني السوريين مهلة أسبوع لتدمير جميع الهياكل الإسمنتية في منازلهم المؤقتة إن أرادوا تجنب المزيد من الدوريات العسكرية. في تموز/يوليو 2019، تم تدمير خيام كانت تؤوي 55000 لاجئ في عرسال وحدها. يقول باسل الحجيري، رئيس بلدية عرسال (نورده بالفصحى) "أمر تفكيك المخيمات كان خطوة سياسية للضغط على السوريين كي يعودوا. لا علاقة له باللوائح التنظيمية الإدارية التي تعطى كذريعة".