أنقر هنا للتصفح


  الصورة: مهدي شبيل

غابة كاليه، الحي العشوائي الذي أضحى رمزا لأزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ فرنسا الحديث، سيختفي قريبا. تسعة آلاف مهاجر متواجدين في كاليه، معظمهم من الرجال، سيبدأون رحلة الانتقال إلى السكن في الأرياف الفرنسية. فبناء على توجيهات من الدولة، من المتوقع أن تستقبل منطقة أوفيرن-رون-ألب حوالى 1800 مهاجر بحلول نهاية العام الجاري. قرار أدى إلى موجة غضب وتصاعد الخوف بين سكان القرى المعنيّة باستقبال المهاجرين. لكنه لم يمنع بعض العائلات من مد يد العون إلى هؤلاء الرجال الذين وجدوا أنفسهم مرميين على طرق المنفى. من هنا، نقدم لكم رحلة في واقع الانقسام الفرنسي حول ملف المهاجرين.

لاجئون أفغان في منطقة لا لوار

  Photo © AFP

تحك باتي * ذقنها بكل تركيز. "لا أستطيع الذهاب إلى العمل عند الرابعة صباحا وأنا أشعر بخوف كبير...". تسكت قليلا ثم تستأنف بحماس "أنا أعيش في المنزل وحدي. لم أشعر يوما بأي خوف... لا ينبغي أن ينتابني هذا الشعور الآن". باتي، وعمرها 51 عاما، تقيم وتعمل في سان دوني دو كابان منذ سنة 1997، وهي قرية صغيرة في منطقة لا لوار (في مقاطعة أوفيرني-رون - ألب). منزلها يقع مقابل قصر لا دوري الذي تحول بقرار من الدولة الفرنسية من مركز ترفيهي إلى ملجأ لاستيعاب المهاجرين.

قرار تبلغته باتي، كباقي سكان القرية وعددهم 1300 نسمة أوائل أيلول/سبتمبر، عبر رسالة وجهها لهم رئيس البلدية. رسالة مفادها أن ما يقارب من 100 مهاجر أفغاني متواجدين في كاليه سيسكنون القرية بدءا من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني ولمدة خمسة أشهر. أمر لا يبدو أنه يقلق باتي، والأحرى أنها لم تفكر في هذه المسألة مليا. "لم يكن لدي الكثير من التساؤلات، رغم أنني كنت أفضل أن يكون الوافدون عائلات وليس أفرادا، هذا صحيح... حينها سأكون مطمئنة أكثر ... ولكن على أي حال، قدوم المهاجرين الرجال لا يعني بالضرورة حدوث شيء سيء، أليس كذلك؟". يبعد مدخل قلعة لا دوري حوالى 50 مترا عن باب منزل باتي. ومن نافذتها، إطلالة مباشرة على الجيران الجدد. "لا أريد مراقبتهم. ولا أريد أن أبني جدارا فاصلا أمام منزلي ولا أريد أن أضع كاميرات للمراقبة. كل ما أطلبه فقط هو أن لا أتعرض للمضايقات. أريد أن أستمر فقط في العيش كما اعتدت."

منذ الإعلان عن تفكيك مخيم "غابة" كاليه، تفرض الحكومة الفرنسية على مقاطعاتها تقاسم استقبال آلاف اللاجئين بشكل مؤقت. كما يسعى وزير الداخلية برنار كازنوف إلى خلق حوالى 12000 مكان إيواء في مراكز الاستقبال والتوجيه قبل حلول نهاية العام. وقد تسلمت دوائر الشرطة إحصاءات بالمباني العامة ومراكز الترفيه الأخرى القادرة على استيعاب المهاجرين. أما توزيعهم على المراكز فيتم وفقا للبيانات الديموغرافية التابعة لكل مقاطعة. منطقة أوفيرني-رون-ألب هي الأكثر قدرة على الاستيعاب، حيث يمكنها استقبال 1748 مهاجرا، منهم 130 في مقاطعة لا لوار وحدها.

في هذه المجمعات السكنية الجديدة التي تقطنها باتي على مرتفعات سان دوني دو كابان، مجمل ردود فعل السكان إيجابية إلى حد ما. من الواضح أن هناك الكثير من التساؤلات، وبعض المخاوف، لكن العدائية شبه غائبة. "تتحدثون عن قدوم الأفغان؟ يجب أن تتوقفوا"، يقول أحد الجيران المنزعج على ما يبدو من تدفق الصحافيين على المنطقة. يضيف "يمكن لأولادي رؤية المهاجرين من حديقتنا. ماذا تريد مني أن أقول لهم؟ إنهم فقراء... طالما أنهم لا يثيرون المشاكل ستكون الأمور على أحسن على ما يرام."

يوم السبت 1 أكتوبر/تشرين الأول، وعلى بعد 200 متر من هنا، اختلف الجو بشكل جذري. عند الساعة العاشرة صباحا، الطقس ماطر أمام ساحة الكنيسة، وعشرات الأعلام الفرنسية ترفرف فوق المظلات. ورغم غزارة المطر وندرة التجمعات في هذه القرية، نظم حزب الجبهة الوطنية مظاهرة تحمل شعار "لا للمهاجرين في منطقة لا لوار". مظاهرة حضرها العديد من الشخصيات الحزبية: نيكولا باي النائب في البرلمان الأوروبي، سارة بروسيه ممثلة حزب الجبهة الوطنية في روان وصوفي روبير أمينة سر مقاطعة لا لوار. بشكل عام، حشدت المظاهرة حوالى 100 شخص. أما باتي فبقيت في منزلها ولم تشارك.



"لا تنادوني بعد الآن فرنسا"

  الصورة: شارلوت بواتيو

يرفض حزب الجبهة الوطنية نقاش إمكانية استقبال أشخاص بدون أوراق ثبوتية رفضا قاطعا. "هؤلاء مشردون لا يمكنهم البقاء، ونحن نطالب فقط بتطبيق القانون"، صرحت صوفي روبير، مسؤولة في حزب الجبهة الوطنية. ورغم هطول الأمطار وتبلل اليافطات والملصقات، لم يتراجع عزم المتظاهرين، الذين استرسلوا في الهتاف مرددين أغنية ميشيل ساردو "لا تنادوني فرنسا بعد الآن".



 الصورة: شارلوت بواتيو

يرفض حزب الجبهة الوطنية نقاش إمكانية استقبال أشخاص بدون أوراق ثبوتية رفضا قاطعا. "هؤلاء مشردون لا يمكنهم البقاء، ونحن نطالب فقط بتطبيق القانون"، صرحت صوفي روبير، مسؤولة في حزب الجبهة الوطنية. ورغم هطول الأمطار وتبلل اليافطات والملصقات، لم يتراجع عزم المتظاهرين، الذين استرسلوا في الهتاف مرددين أغنية ميشيل ساردو "لا تنادوني فرنسا بعد الآن".

لور، ربة أسرة، عمرها خمسون عاما، أتت إلى المظاهرة برفقة زوجها كشكل من أشكال "المقاومة" لهذا القرار. تعبر عن رأيها بابتسامة وتقول "أنا لا أريد مهاجرين في أريافنا". تضيف "ليس لدي أي شيء ضدهم، أنا أقدر واقعهم... ولكن لا!". بالنسبة إلى لور، وغيرها من مؤيدي حزب الجبهة الوطنية، أول مصدر للقلق هو ممارسات المهاجرين الجنسية. "يبدو أن أشياء سيئة تحدث... مع الأطفال... أو مع النساء... سمعت عن تعرض شابات للاغتصاب والقتل، وسمعت عن اعتداءات كولونيا. فلنكن واقعيين. هؤلاء رجال وعازبون..."

مخاوف لور تخدم بشكل كبير توجه اليمين المتطرف. رغم كونها مغلوطة. فمرتكبو اعتداءات كولونيا لم يكونوا لا من اللاجئين السوريين ولا العراقيين ولا الأفغان، بل من المهاجرين الجزائريين والمغاربة المستقرين في ألمانيا منذ مدة طويلة. كما أنه لم يتم رفع شكاوى من اعتداءات جنسية على مهاجرين في فرنسا، وفق منظمة "طب النساء بلا حدود". إذ تشير هذه المنظمة غير الحكومية إلى حدوث اعتداءات جنسية، ولكن داخل أروقة غابة كاليه ووسط صمت الضحايا في غالبية الأحيان. أما خارج هذا المخيم العشوائي فلم يتم تسجيل أي حالة اعتداء.

رغم هذه الحقائق، تصر صوفي روبير على موقفها: "هذه المخاوف مشروعة مع الإعلان عن وصول 100 رجل دفعة واحدة إلى القرية [...] تقل مخاوف السكان عندما نتحدث عن قدوم عائلات. ولكن الآن، أصبح الناس يقارنون مع ما يحدث في أماكن أخرى ويخافون من تكراره هنا. لذلك، لا، أنا لا أستغل مخاوف هؤلاء الناس". كذلك لا ترى مسؤولة حزب الجبهة الوطنية أن الربط بين المهاجرين والإرهاب، في بيان نشره حزبها، أمر مبالغ فيه: "لم يكن هناك أي وسيلة للتأكد من عدم إمكانية وجود أشخاص بين المهاجرين لديهم نوايا بارتكاب اعتداءات إرهابية. مرة أخرى أكرر، أنا لا أقوم باستغلال الملف سياسيا، وأنا لست مسؤولة عن أي شيء، أنا هنا فقط لمساعدة السكان".
في فالفلوري، قرية أخرى في منطقة لا لوار ستستقبل خمسين مهاجرا في الأسابيع المقبلة، تستعمل مخاوف السكان كمادة دسمة لتدعيم مواقف اليمين المتطرف. في كل من القريتين، يكثر الحديث عن انعدام الأمن، وارتفاع الجريمة والإرهاب. وكلها مواضيع تشكل صلب خطاب حزب الجبهة الوطنية. في 14 أيلول/سبتمبر الماضي، في إحدى الجلسات العامة في قرية سان دوني دو كابان، خرجت الأمور عن السيطرة. فقد تمت مهاجمة كريستيان أبرا، نائب مدير دائرة الشرطة الذي كان حاضرا في محاولة لطمأنة السكان. يتذكر رئيس بلدية القرية رينيه فالورج الحادثة ويقول: "سمعت تعليقات تحمل عنفا غير مسبوق.. قالوا له سنبحث عنك ونقتلك". ويضيف "الناس فقدوا صبرهم وتعبوا من وعود السياسيين ومن البطالة، ومن الأزمة، لذا أصبح بعضهم أقرب إلى تبني خطاب الرفض..."



"بنادق وعصي"
  الصورة: شارلوت بواتيو

على الرصيف أمام الكنيسة، تجمعت مظاهرة مضادة من أنصار الخطاب المعاكس. عددهم قليل. فضلوا عدم ترديد الهتافات كما حرصوا على عدم استفزاز جيش الأعلام الزرقاء والبيضاء والحمراء الذي يواجههم. لافتتهم حملت شعار "أيها اللاجئون أهلا بكم" وكانت كافية لتمرير رسالتهم. "لا أريد أن أعيش في بلد يكره فيه الناس بعضهم البعض بسبب تفاهات"، يقول ليو، رب الأسرة الشاب الذي يرتدي قلنسوة رمادية اللون. "الجبهة الوطنية هنا فقط لتستغل الموقف، ولكي يكون لها مكان في السلطة. وأنا هنا فقط لأعبر سلميا عن رفضي لهؤلاء المتظاهرين."

فريلان، له من العمر 60 عاما، هو أيضا من سكان القرية، يدخن غليونه بهدوء ويراقب عن كثب المظاهرتين. كما باتي، لا يبدي فريلان أي اعتراض على استقبال اللاجئين الأفغان. "ما يشغلني هو أنه وفي كثير من الأحيان ينزح المهاجرون شمالا لأنهم يريدون الذهاب إلى إنكلترا. عادة هم غير مهتمين بالذهاب إلى الجنوب... وسوف يواجهون صدمة في تواجدهم هنا!". رغم الطقس السيء والماطر، جاء فريلان إلى هذه الساحة باحثا عن وجوه يعرفها، عن جيران محتملين يشاركون في المظاهرة. "هذه المرة الأولى التي ينظم فيها حزب الجبهة الوطنية مظاهرة هنا. نحن مندهشون جدا. ونحن نرى أن أشخاصا غرباء عن قريتنا حاضرون اليوم. في الواقع، لا يوجد أحد من سكان سان دوني دو كابان في المظاهرة. هذه الوجوه لا أعرفها ولم أرها من قبل ".

فريلان على صواب. ففي تجمع اليمين المتطرف هذا، متظاهرون من قرى مجاورة. لورا وزوجها قدما من سان نيزييه سور شاتو، على بعد بضعة كيلومترات من هنا. وآلان، متظاهر آخر إلى جانبهما، يعيش في سان إتيان وقطع مسافة تتعدى الـ 100 كم للوصول إلى هذه البلدة الصغيرة والمشاركة في المظاهرة المناهضة لاستقبال المهاجرين. أما من جهة "المؤيدين"، فالمشهد ذاته. أرماند، رجل ثلاثيني يحمل يافطة ترحب بالمهاجرين، هو أيضا غريب عن القرية، أتى من ميزينيي في منطقة هوت سافوا. غياب سكان القرية عن هذه التجمعات يعود، وفقا لحزب الجبهة الوطنية، إلى "الخوف من نظرة الجيران". لكن رئيس بلدية سان دوني دو كابان يعتبر أن السبب الحقيقي هو عدم تأييد سكان قريته لخطاب الحزب اليميني المتطرف. ويضيف ساخرا "أسمع الكثير من الآراء التي تقول إن خوفها من خطاب حزب الجبهة الوطنية أكبر من خوفها من المهاجرين!".



 الصورة: شارلوت بواتيو

رينيه فالورج غاضب في هذا اليوم. غضبه على الحزب اليميني المتطرف أقل من غضبه على القائمين على المظاهرة لأنهم نظموها في عيد الفصول الدراسية، وهي مناسبة تقليدية في قريته. يقول: "هذا التجمع السياسي يخرب الأجواء الاحتفالية. غالبية السكان هنا غير راضين عن ذلك". على مسافة قريبة من هنا، في الشارع الرئيسي للقرية، تختلف الأجواء: استبدلت الأعلام الفرنسية وصور مارين لوبان بالقبعات المصنوعة من القش وبالبالونات. كما يغيب الانقسام حول ملف المهاجرين الأفغان تماما. انقسام لا مكان له أبدا في القرية بالنسبة إلى رينيه فالورج: "على أي حال، سيتم فتح مركز استقبال وتوجيه. هذا هو قرار الدولة. ومعارضته ليست من صلاحياتي. فإما أن نرفضه وإما أن نعمل على أن تسير الأمور بشكل جيد [...] ولكن لكي تسير الأمور بشكل جيد، يجب ألا نستقبل المهاجرين بالعصي والبنادق ".

ولطمأنة المواطنين، قام مجلس المدينة بتحضير لائحة من الأسئلة "المباشرة والصريحة": هل سيتم إعلان حظر التجول؟ كم عدد الأشخاص الذين سيهتمون بتوجيه المهاجرين الوافدين؟ كيف سيتم تأمين قوتهم اليومي؟ أين سيغسلون ملابسهم؟". أسئلة تنتظر إجابات من الدولة الفرنسية. كما يضيف رئيس البلدية أن الناس بحاجة فقط إلى بعض التطمينات. "لكنني أريد أن أحافظ على تفاؤلي. كل رؤساء البلديات المجاورة الذين تواصلت معهم، في بيسا – فيلنوف وفي سان- بوزير (بلديتان من منطقة بوي - دو - دوم)، واجهوا مسألة وفود المهاجرين وقالوا لي: "سترى، كل شيء سيكون على ما يرام..."



لو شامبون سور لينيون "متكيف" مع الأجانب
  الصورة: شارلوت بواتيو

هذا هو استنتاج السكان في لو شامبون سور لينيون. تقع هذه البلدة على بعد مئات الكيلومترات من سان دوني دو كابان، في منطقة هوت لوار، وهي تضم منذ 15 عاما مركزا لاستقبال طالبي اللجوء. المركز يحوي 52 مكانا، وهو محجوز بشكل كامل. في شامبون، تكيف السكان مع الواقع. فالبلدة تستضيف بانتظام لاجئين من كوسوفو ومنغوليا والسودان ورواندا وأرمينيا والكونغو... وهذا ما يدفعهم إلى تفهم مخاوف السكان في القرى الأخرى. "فهنا أيضا مررنا بهذه التجربة. في عام 2000، أثناء افتتاح مركز استقبال طالبي اللجوء، تساءل سكان المنطقة إذا ما كان المهاجرون قادمين لسرقة وظائفهم، وإذا ما كان وجود أطفال المهاجرين سيقلل من مستويات المدارس في بلدتهم"، تشرح بيرين باريول، عضو تجمع اللجوء والتضامن ومتطوعة في مركز استقبال اللاجئين. وتضيف ضاحكة "لكنهم عندما اكتشفوا أن اللاجئين السودانيين متفوقون في الدراسة، فشعروا بالاطمئنان".


مركز طالبي اللجوء في شامبون سور لينيون افتتح عام 2000 وفيه 52 مكانا.
 الصورة: شارلوت بواتيو

على خلاف مراكز استقبال وتوجيه اللاجئين، يستضيف مركز طالبي اللجوء عائلات لمدة تصل إلى سنتين على الأكثر، ريثما يحصلون على تصاريح إقامتهم. ولا يسمح للراشدين بالعمل، لكن، يتم إدخال الصغار إلى المدارس. حاليا في شامبون، تم إيواء ثماني عائلات مع أطفالهم، في حين اقتصر عدد الأماكن المخصصة للاجئين من الرجال العازبين على خمس وحدات سكنية فقط. "بالتأكيد، هناك صعوبات وسوء فهم واختلافات ثقافية يجب أن تتم إدارتها بشكل جيد" يقول هيرفي روتيي، متطوع في مركز الاستقبال وعضو في تجمع اللجوء والتضامن. "أحيانا، نجد أنفسنا في مواقف كوميدية، مثلا وفدت إلى مركز الاستقبال أسرة من حلب (سوريا)، ولدى وصولهم، سألونا "أين الخدم؟"...كانوا ميسوري الحال ولا يعرفون أن الحياة هنا مختلفة وأن الأمور لا تسير بهذا الشكل".

تمكن المتطوعون الثلاثة من مواجهة الاحساس بانعدام الأمن الذي انتشر في المنطقة. "عادة ما يكون عدد المهاجرين قليلا في مراكز الاستقبال. في شامبون، عددهم 52 في حين يبلغ عدد سكان البلدة 2700 نسمة. وغالبا ما يطلب تدخل الشرطة في مجمعات سكنية اجتماعية (مساكن متوسطة التكلفة – HLM) وليس في مراكز استقبال اللاجئين"، وفقا لبيرين باريول. باريول تعتبر أن التوترات بين السكان شبه معدومة. "إذا لم يتفق المهاجرون مع جيرانهم، فإنهم يكتفون بعدم التحدث إليهم، هذا كل شيء. لأنهم يعرفون أن ارتكابهم أدنى جنحة سيؤدي إلى خسارتهم لتصريح الإقامة."

اليوم تعتمد البلدة على شبكة واسعة من الجمعيات لمساعدة الأشد حرمانا. وبالإضافة الى جمعية التضامن واللجوء، هناك جمعية "مطاعم من القلب" و"جيش الخلاص" و"النجدة البروتستانتية "... كما يساعد العديد من سكان شامبون المهاجرين عبر إعطائهم دروسا في اللغة الفرنسية وحصص أعمال يدوية وورش عمل حول الصحة العامة والصحة الجنسية ونشاطات رياضية. "يحظر على الناس في مراكز استقبال طالبي اللجوء البحث عن عمل. لذلك يجب علينا أن نقوم بالكثير من الأنشطة كي نساعدهم على الانشغال وبالتالي كي نقطع الطريق على المشاكل"، تشرح بيرين باريول.



باسم رئيس البلدية والابن ووكييز
  الصورة: شارلوت بواتيو

في شامبون، يندمج جميع طالبي اللجوء مع حياة المدينة. نقابلهم عند ساحة المكتبة العامة وهم يحاولون التقاط إشارات الإنترنت - واي فاي، وأمام مخارج المدارس عند موعد انتهاء حصص التلاميذ، وعلى جوانب الطرقات وهم يركبون الدراجات الهوائية. تعايش سلمي ناجح يتباهى به المتطوعون. "بلدة شامبون تلعب دورا أساسيا يعود إلى العصور الوسطى، حيث استضافت المدينة البروتستانت المضطهدين في عصر الإصلاح، والجمهوريين الإسبان، واليهود خلال الحرب العالمية الثانية... ولم يكن هناك مطالب بوقف ذلك". كما توضح بيرين باريول.


هيرفي روتييه (يسار الصورة)، مستشار في البلدية ومتطوع في مركز استقبال طالبي اللجوء، وبيرين باريول عضو في جمعية اللجوء والتضامن
 الصورة:شارلوت بواتيو

عام 1990، استحقت مدينة شامبون سور لينيون لقب المدينة المنصفة بعد أن خبأت حوالى ألف يهودي، بينهم عدد كبير من الأطفال، منذ عام 1940. أمر مشرف تعتز به المدينة وهو اليوم يعود إلى دائرة الاختبار. ففي أوائل أيلول/سبتمبر، أطلق الرئيس المؤقت للجمهوريين ورئيس إقليم أوفيرني رون ألب لوران ووكييز، عريضة تعارض اقتراح مشروع لتوزيع المهاجرين في فرنسا شعارها: "لا لخلق غابات مصغرة على امتداد تراب الوطن".

مبادرة هذا الرجل أثارت ردّ فعل كبير من قبل سكان البلدة. أولا، لأن أي خطاب معادي للمهاجرين هو "انتهاك لتاريخ منطقتهم" كما يشرح المتطوعون. ثانيا، لأن لوران ووكييز ليس سوى ... ابن رئيسة بلدية شامبون سور لينيون، إليان ووكييز. ففي 16 أيلول/سبتمبر، وعوضا عن التخفيف من حدة التوتر المحلي، لم توافق إليان ووكييز على طرح استقبال لاجئين جدد في بلدتها للتصويت، مخالفة بذلك رغبات المجلس البلدي بأكمله. مشورة تعتبر في المقام الأول رمزية، خاصة أنه لم يطلب من البلدة استضافة مهاجرين من غابة كاليه. تضارب مصالح واضح بالنسبة إلى هيرفي روتييه، العضو في المجلس البلدي: "نحن على بعد بضعة أشهر من الموعد الانتخابي والسيدة رئيسة البلدية لا تريد أن تضر بمصالح ابنها... على أي حال، هذه الممارسات لن تهزنا. نحن نعي تماما أننا سنواصل عملنا". أما إليان ووكييز فقد رفضت أن تجيب على أسئلة فرانس24. وقد تم الاتصال هاتفيا بواحدة من مساعديها، التي ما انفكت تكرر أنه "يجب ألا تتم شخصنة هذه القضية".


فرانك لاجئ من الكونغو - برازافيل. عاش لمدة ستة أشهر في مركز استقبال طالبي اللجوء بـشامبون سور لينيون
 الصورة: شارلوت بواتيو

مارتان، شاب أرمني عمره 20 سنة، لم يسمع أبدا بقضية لوران ووكييز أو بمراكز استقبال اللاجئين ولا حتى بسياسة الدمج. يعيش هذا الشاب مع عائلته، منذ سنة، في مركز الإيواء بـشامبون سور لينيون. لاحظ حركة كبيرة للصحافيين في المركز دون أن يوليها اهتماما كبيرا. حاليا، في هذه المرحلة من حياته، لا يهتم سوى بالرياضة وبرفاقه. يقول بلغة فرنسية ممتازة "يطلب مني المتطوعون مساعدتهم لكني أفضل الذهاب الى نادي كرة القدم".

واحد من جيرانه، فرانك، لم يشارك كثيرا في النقاش. هو كونغولي، عمره 35 عاما، يعيش منذ ستة أشهر في هذه المدينة المنصفة. وهو واحد من خمسة رجال عازبين في مركز الإيواء. فرانك لم يسمع أيضا بـ "قضية ووكييز". وهو بدوره لا يوليها أهمية كبيرة. "السياسيون يفتعلون القضايا دائما"، يقول ضاحكا. فرانك يرتاد بانتظام مكتبة البلدة كي يقرأ الرسائل في بريده الإلكتروني، الجميع يعرفه هناك. "غالبا ما يجلس في نفس المكان، على أي حال ... ليس هناك الكثير من ذوي البشرة السمراء، لذا نتعرف عليه بسهولة"، يردد أحد الشبان الجالسين عند مدخل المكتبة. يعلم فرانك أنه لا يمكن له أن يمر دون أن يثير الانتباه. ويضيف: "عندما أحصل على اللجوء، أود أن أذهب لأعيش في مدينة أكبر مثل في بوي أون فيلاي. هنا، البلدة جيدة، لكنها تفتقر إلى السكان والتنوع وماكدونالدز".

"هذا كل ما نتمناه لهم" تهمس المتطوعة بيرين باريول. "الحصول على اللجوء، والانطلاق في المغامرة نحو مناطق أخرى. ولكن هل تعرف ما الأمر الذي يحرك مشاعري؟" تقول قبل أن تغادر، "هو عندما تحصل إحدى العائلات على اللجوء وتقرر الاستقرار في المدينة هنا. هو أمر لا يحدث مرارا. حدث ثلاث أو أربع مرات فقط... لكنه حدث وأنا أفتخر به. أفتخر أنني التقيتهم حين كانوا بدون أوراق ثبوتية ورأيتهم يصبحون مواطنين كغيرهم في هذه البلدة".

* تم تغيير الاسم