النص: فرانس24
الصور: أ ف ب، باتريك كوفاريك - أ ف ب، ميشال أولر- أ ف ب
مدير التحرير: جان اللفي
سكرتير التحرير: شريف بيبي وفؤاد حسن
التصميم: ستوديو غرافيك
كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أحد أبرز وجوه الحياة السياسية في بلاده، بدأ مشواره السياسي في ستينات القرن الماضي لينتهي في 2007 بعد 12 عاما في قصر الإليزيه.
وانطلق نضاله السياسي في 1965 عندما كسب معركته الأولى وأصبح مستشارا في بلدية سانت فيريول بمنطقة كوريز (وسط البلاد). وفي 1967 استمرت إنجازاته بفوزه بمقعد في البرلمان عن المنطقة ذاتها.
وكانت تلك بداية عهد مميز بالنسبة إلى هذا الرجل، والذي ظل حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وفيا لمبادئ الجمهورية الخامسة التي أسسها زعيمه الروحي شارل ديغول في أيار/مايو 1958. فانتقل شيراك من نائب في البرلمان إلى وزير للعمل (1967)، في حكومة جورج بومبيدو، خليفة ديغول بالإليزيه، إلى رئيس للوزراء بعد فوز مرشحه فاليري جيسكار ديستان بالانتخابات الرئاسية في 1974.
ولم يتردد الرئيس الجديد في تعيين جاك شيراك رئيسا للوزراء، وفي الوقت ذاته، أمينا عاما لحزبه "الاتحاد من أجل الدفاع عن الجمهورية". وبعد مرور عامين، نشب خلاف بين الرجلين انتهى باستقالة شيراك من منصبه، ليدخل في حرب مفتوحة ضد فاليري جيسكار ديستان استمرت لغاية وفاته. وكانت الكراهية بينهما شديدة لدرجة أن شيراك ساهم في 1981 بفوز الاشتراكي فرانسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية. وكان الهدف وراء دعمه لميتران انتزاع زعامة تيار اليمين الجمهوري من أيدي جيسكار ديستان.
بعد استقالته من الحكومة وانفصاله نهائيا عن فاليري جيسكار ديستان، أسس جاك شيراك في 1976 حزبا جديدا سماه "التجمع من أجل الجمهورية"، ليكون أداة لبلوغ طموحاته السياسية المقبلة، لاسيما رئاسة الجمهورية. ولكن قبل قصر الإليزيه عرج شيراك على بلدية باريس والتي انتزع رئاستها في آذار/مارس 1977.
وخاض شيراك غمار الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في 1981، ليحتل المركز الثالث وراء فرانسوا ميتران وجيسكار ديستان. وكانت تلك مشاركة رمزية بالنسبة إليه، الغاية منها تأكيد زعامته لليمين بصفة نهائية. والدليل أنه قاد التيار اليميني الجمهوري المعتدل إلى الفوز في الانتخابات البرلمانية في 1986، ليصبح بعدها رئيسا للحكومة في ظل عهدة فرانسوا ميتران الأولى (1981-1988).
وتنافس ميتران - الرئيس المنتهية ولايته - وشيراك – رئيس حكومته - في الانتخابات الرئاسية في 1988، ليفوز مرشح الاشتراكيين بعهدة ثانية (1988-1995). لكن شيراك ظل صامدا، واستمر في حشد الدعم في أوساط اليمين الجمهوري وهو يحضر لانتخابات 1995.
وقبل مواجهة مرشح اليسار ليونيل جوسبان، واجه جاك شيراك منافسا داخل حزبه للفوز بترشيح اليمين لموعد 1995، هو رئيس الحكومة إدوار بلادور المدعوم من الشاب نيكولا ساركوزي. وفاز شيراك على بلادور قبل أن يفوز على جوسبان في الدور الثاني بنسبة مريحة (أكثر من 52 في المئة)، ليصبح الرئيس الفرنسي الخامس في ظل الجمهورية الخامسة - التي تعطي الرئيس صلاحيات واسعة أمام رئيس الحكومة.
في 1997، رغم سيطرة اليمين على الحياة السياسية الفرنسية، قرر جاك شيراك في خطوة مفاجئة حل البرلمان. وكانت النتيجة فوز اليسار بنسبة كاسحة، فاضطر شيراك إلى تعيين ليونيل جوسبان رئيسا للحكومة.
تواصل التنافس بين الرجلين لغاية انتخابات 2002 الرئاسية عندما فرض مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان حضوره في الدور الثاني على حساب جوسبان. وفاز شيراك، المعادي قطعا لليمين المتطرف، في النهاية بولاية ثانية من خمس سنوات بعد حصوله على أكثر من 82 في المئة من أصوات الناخبين.
واشتهر شيراك خلال هذه الولاية (الثانية) برفضه مشاركة فرنسا في غزو العراق إلى جانب الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن وبريطانيا بزعامة رئيس الوزراء توني بلير، ما أعطاه مكانة كبيرة لدى المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من فشله في انتخابات 1997 البرلمانية وفي الاستفتاء على مشروع الدستور الأوروبي في 2005، ظل جاك شيراك يحظى بشعبية كبيرة في فرنسا وخارجها، لاسيما لدى العرب. وبعد انسحابه السياسي في 2007، واصل شيراك نضاله الإنساني من خلال "مؤسسة شيراك" الناشطة من أجل السلام.
تمتع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بصورة إيجابية في الشارع العربي نظرا لمواقفه الشجاعة حيال قضايا الشرق الأوسط أبرزها رفضه مشاركة فرنسا في التحالف الدولي بقيادة واشنطن خلال غزو العراق في 2003.
وكانت تربط شيراك علاقات شخصية حميمة بالكثير من قادة المنطقة، وظهر في شريط فيديو مؤرخ في 1975 عندما كان رئيس وزراء فاليري جيسكار ديستان وهو يصافح نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين في باريس.
وأبرز علاقة شخصية لجاك شيراك ربطته برئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري [الذي اغتيل بتفجير سيارة ملغومة في شباط/فبراير 2005 في بيروت]، وكان الأخير أحد ممولي حزبه "التجمع من أجل الجمهورية". وظل الحريري وفيا لعائلة شيراك وخاصة في وقت الشدة مثل انتحار ابنة شيراك الكبرى لورانس في 1995.
ويجمع المحللون على أن العلاقة بين الرجلين أثرت بصورة مباشرة في سياسة الرئيس شيراك بالشرق الأوسط. فبعد أن قدم الدعم للزعيم السوري الجديد بشار الأسد، خليفة والده حافظ المتوفى في حزيران/يونيو 2000، تراجع عن موقفه وانتهج مقاربة معادية تماما حيال دمشق، خاصة بعد مقتل الحريري.
وتميزت سياسة شيراك في الشرق الأوسط أيضا ببعض التحولات. فقد أصبح من أكبر الداعمين لتأسيس دولة فلسطينية بعد أن كان معارضا لها، والتقى بالزعيم ياسر عرفات نحو 30 مرة بين توليه رئاسة الجمهورية في 1995 ووفاة عرفات في تشرين الثاني/نوفمبر 2004.
وتبقى صورة شيراك باكيا في مستشفى كلامار العسكري، قرب باريس، وهو يترحم على روح الرئيس الفلسطيني خالدة في الذاكرة. كما تبقى صورة شيراك متحديا بعض عناصر قوات الأمن الإسرائيلية في شوارع القدس في تشرين الأول/أكتوبر 1996 راسخة في أذهان العرب.
وبحكم دعمه الصارم للقضية الفلسطينية، أطلق عليه عرفات اسم "الدكتور شيراك" لتبلغ شعبية الرئيس الفرنسي في الشارع العربي مستوى قياسيا.
لكن، بصورة عامة، تميزت سياسة جاك شيراك في الشرق الأوسط بشيء من التناقض والجمود، حيث أنها كانت متذبذبة بين رغبته بتفادي وقوع صدام بين الإسلام والغرب من جهة، ودبلوماسية بلاده القديمة الساعية لبعث نفوذها المفقود في المنطقة من جهة أخرى
*
شيراك - عرفات: الرئيس الفرنسي جاك شيراك (يمين) متحدثا مع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لدى وصوله إلى رام الله في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1996. وكان شيراك أول رئيس أجنبي يلقي خطابا أمام المجلس التشريعي الفلسطيني.
**
شيراك – الأسد: الرئيس الفرنسي جاك شيراك (يسار) يتحدث إلى نظيره وضيفه السوري بشار الأسد خلال مأدبة عشاء بقصر الإليزيه في 25 حزيران/يونيو 2001. الصورة: أ ف ب/ أي بي/ ميشال أولر.
عام 1987، طرح جاك شيراك، الذي كان وقتها رئيس وزراء فرنسا، فكرة إنشاء قناة إخبارية فرنسية دولية، تعمل بالموازاة مع إذاعة فرنسا الدولية "إر إف إي" على دعم تأثير فرنسا في الخارج، وتناول الأحداث الدولية بنظرة وحس فرنسيين، وإيصال صوتها إلى العالم في المجال الإعلامي.
بدأت بعدها الفكرة تسلك طريقها شيئا فشيئا نحو أرضية الواقع، ثم صارت أكثر إلحاحا غداة حرب الخليج الثانية (1990-1991) التي فرضت خلالها القناة الأمريكية "سي إن إن" هيمنتها على المشهد الإعلامي العالمي. فتم إعداد تقارير كثيرة حول القناة الفرنسية، لكن المشروع بقي بالنسبة للسلطات مجرد حلم يصعب تحقيقه.
توجب الانتظار لغاية بداية العهدة الرئاسية الثانية لجاك شيراك في 2002، لإعادة طرح فكرة إنشاء وسيلة إعلامية دولية فرنسية. وأمام المجلس الأعلى للفرانكفونية، لم يتردد الرئيس جاك شيراك في طرح الموضوع الذي يشغله
"هل يعقل أن نظل نتحسر السنة تلو الأخرى على النقص الكبير والمستمر للتواجد لإعلامي الفرانكوفوني، لا سيما السمعي-البصري على الساحة الدولية؟
[…] الكل يعرف أننا ما زلنا بعيدين عن امتلاك قناة إعلامية دولية كبيرة بالفرنسية، جديرة بمنافسة "بي بي سي" أو "سي إن إن". والأزمات الأخيرة بينت عجز البلدان والكتل الثقافية، التي لا تملك الثقل اللازم في معركة الصورة والموجات الإذاعية".
بعد تقارير ومداولات كثيرة، تمت المصادقة أخيرا على إنشاء القناة الإعلامية. أطلق على المولود الجديد اسم "فرانس24". وفي السادس من ديسمبر/كانون الأول 2008، وفي تمام الساعة الثامنة و29 دقيقة مساء بتوقيت باريس، بثت "فرانس24" نشرتها الإخبارية الأولى.
تشمل فرانس 24 أربع قنوات للأخبار الدولية (بالعربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية) تبث على مدار الساعة (القناة الإسبانية تبث 6 ساعات يومياً) ويصل بثها إلى 853 مليون منزل في القارات الخمس. تجذب القنوات الأربع 79.8مليون مشاهد أسبوعيا (إحصاء أُجري في71 دولة من أصل 841 دولة يتم فيها بث القناة). تبث فرانس 24 برامجها من باريس برؤية فرنسية لأحداث العالم معتمدة في ذلك على شبكة تتشكل من 160 مكتب مراسلات تغطي الأحداث في معظم أنحاء العالم. ويتم استقبال بث القناة عبر الكابل والأقمار الاصطناعية والتلفزيون الرقمي الأرضي في بعض الدول وعن طريق الانترنت والهواتف الجوالة والحواسيب اللوحية وأجهزة التلفزيون الذكية ويوتيوب باللغات الأربعة. كل هذا الفضاء الإعلامي الجديد لفرانس 24 متوفر أيضا باللغات الأربعة ويسجل شهريا 15.5 مليون زيارة و59.8 مليون مشاهدة لمقاطع الفيديو (معدل 2018) إضافة إلى 38.9 مليون مشترك على صفحاتها على فيسبوك وتويتر (ديسمبر 2019).