تعصف الحرب في سوريا منذ خمس سنوات. أزمة بدأت كانتفاضة شعبية محلية وتحولت إلى نزاع شامل تعدد فيه اللاعبون على الأرض داخل البلاد وخارجها، إلى حد صار من الصعب متابعته. تحاول فرانس24 تقديم نظرة أكثر وضوحا.

انهارت الهدنة التي توصل إليها الروس والأمريكيون رغم التصميم على التوصل لحل للصراع المستمر منذ أكثر من خمسة أعوام. مع مرور الوقت، تحولت الحركة الاحتجاجية التي بدأت من درعا إلى صراع معقد متعدد الأطراف، كثر فيه اللاعبون بين سوريين وأجانب، ولكل طرف أهدافه الخاصة ودوره الخاص، في وقت يدفع فيه المدنيون الفاتورة الأعلى لهذه الحرب. والمحصلة، أكثر من 300 ألف قتيل، وآلاف المفقودين، وملايين المهجرين في الداخل واللاجئين في الخارج، ناهيك عن الدمار الهائل والاقتصاد المنهار.

في مقابل قوات النظام، تقف عدة فصائل مسلحة متعددة الاتجاهات، غالبيتها إسلامية، بعضها جهادية، وتكاد تكون كلها مدعومة من قبل أطراف خارجية. ويستغل تنظيم "الدولة الإسلامية" هذه الانقسامات في أوساط المعارضة التي ثبتت وجودها وسيطرت على مساحات شاسعة من البلاد. ولمواجهة تمدد التنظيم، تم إنشاء تحالف دولي يقوم بطلعات جوية لقصف أهداف محددة، تقوده الولايات المتحدة، ويضم قوى غربية بما فيها فرنسا، وأطرافا شرق أوسطية مثل الأردن، إلى جانب الأكراد الذين تمكنوا بفضل الصراع من الحصول على استقلالية أكثر مما تمتعوا به سابقا في سوريا.

أين أصبح الصراع الآن ميدانيا؟ من مع من؟ من ضد من؟ ما هي استراتيجية روسيا؟ وماذا عن الحرب التي يخوضها المجتمع الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية؟ "




لماذا تدخلت تركيا في سوريا؟


التزمت أنقرة رسميا بقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا من خلال عملية "درع الفرات". ويرى المحلل السياسي في فرانس24 والخبير بالشأن السوري والأستاذ الزائر في معهد واشنطن فابريس بالانش أن "الهدف الحقيقي لتركيا هو وقف سيطرة أكراد سوريا على المزيد من الأراضي".

في 19 أيلول/سبتمبر، أعلنت تركيا أن الفصائل المعارضة التي تدعمها ستواصل تقدمها نحو الجنوب. وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه "في إطار عملية ’درع الفرات‘ تم تطهير 900 كم2 (...) وبإمكاننا توسيع هذه المنطقة إلى 5000 كم2 في إطار إنشاء منطقة آمنة". وتعتمد أنقرة على مجموعات مثل كتائب الزنكي وكتائب السلطان مراد، اللتان تعتمدان في تكوينهما بشكل أساسي على التركمان، وهم مجموعة عرقية من المسلمين السنة المقربين من تركيا، وعلى فصائل معارضة مقربة من الإخوان المسلمين مثل جيش الإسلام.




أين يتمركز الأكراد؟


ما الهدف الذي يسعى إليه الأكراد؟

يحتل الأكراد شمال شرق سوريا. ومنذ بدء الصراع السوري يدافع الاتحاد الديمقراطي الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة كفصيل إرهابي، عن هذه المنطقة في وجه أي هجوم، سواء كان من قبل النظام أو فصائل المعارضة المسلحة.

منذ انسحاب قوات النظام السوري من أراضيهم، تمكن الأكراد من انتزاع استقلالية مناطقهم بحكم الأمر الواقع، وهو الأمر الذي لطالما رفضته حكومة دمشق في السابق. ولكن هذا لم يمنعهم من عقد تحالفات نفعية مع النظام في بعض الأحيان، كما هو الحال في مدينة حلب.
وبالنظر لما جرى في مدينة الحسكة في آب/أغسطس الماضي، حيث اندلع قتال عنيف بين فصائل تابعة للنظام والفصائل الكردية لدى محاولة هذه الأخيرة السيطرة على المباني الحكومية في المدينة ووضع حد لتحكم الحكومة المركزية بها، "الأمر الذي لا يمكن لدمشق أن تسمح به، فكانت الوساطة الروسية هي التي أنهت المواجهة"، كما يوضح فابريس بالانش.
من جهة قتال الجهاديين، تمكن الأكراد من السيطرة على الكثير من الأراضيكما أوشكوا على ربط مقاطعاتهم الثلاثة، عفرين وكوباني (عين العرب) وجرابلس، الأمر الذي أزعج أنقرة التي لا ترغب بنشوء منطقة مستقلة للأكراد في شمال سوريا قرب حدودها.

لماذا تدعم روسيا الأكراد؟

تمكن الأكراد من اللعب مع القوتين العظميين لإحراز تقدم نحو أهدافهم. تمكنوا من إخراج تنظيم "الدولة الإسلامية" من منبج، رغم كون المدينة واقعة خارج مناطقهم، وتمكنوا من الحفاظ على معبر أعزاز حيث حصلوا على دعم روسي.
وحسب فابريس بالانش فإن "بوتين يعتبر القومية الكردية هي العنصر الوحيد القادر على إحداث تغيير في الشرق الأوسط، وبشكل أساسي إضعاف تركيا". وهم قادرون على أن يكونوا حرس حدود فعالين، لمراقبة خط الحدود الشمالي الذي يدخل من خلاله المقاتلون والجهاديون والذخائر، ما ينشط الجهود السورية والروسية لاستعادة مواقعهم.

لماذا تدعم الولايات المتحدة الأكراد؟

بالمقابل ترى واشنطن أن الأكراد هم الحليف الأفضل على الأرض ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ فشل الأمريكيون حتى الآن في الاعتماد على الفصائل المعارضة. فالفرقة 13 وكتائب حمزة اللتان دعمتهما واشنطن في فترة من الفترات، تم القضاء عليهما من قبل جبهة النصرة التي سيطرت على صواريخ التاو التي كانت واشنطن قد قدمتها للفصيلين المعارضين.




خريطة: منطقة السيطرة الكردية مع مدن عفرين، كوباني (عين العرب)، قامشلي، منبج، ومعبر أعزاز، مع رسم توضيحي للتدخل التركي والدعم الأمريكي.


ماذا يحدث في الجنوب قرب الحدود مع إسرائيل؟


يثير الصراع السوري قرب الحدود الإسرائيلية جدلا كبيرا لدى الطبقة السياسية الإسرائيلية، "من ناحية يرى البعض أن سقوط الأسد سيضعف إيران، العدو الأول لإسرائيل، ولكن وصول الإسلاميين للحكم هو أمر مقلق"، كما يقول فابريس بالانش. إسرائيل تريد حماية الجولان، المنطقة السورية التي ضمتها عام 1981. منذ بدء النزاع السوري، تسقط القذائف من الداخل السوري على الجولان، دون إمكانية تحديد هوية مطلقها، إن كانت المعارضة المسلحة أم النظام، وكل مرة كانت إسرائيل ترد بقصف مواقع في سوريا. "من الواضح أنه في حال تمكن مقاتلو حزب الله أو مقاتلون إيرانيون من السيطرة على مناطق قريبة من الجولان فإن إسرائيل ستتدخل"، وفقا لبالانش.




خريطة تظهر مناطق الجولان ودرعا. في الجولان تظهر مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام والمناطق المتنازع عليها، كما تظهر دمشق، ورسم توضيحي يبين تبادل إطلاق النار مع إسرائيل.


ما هي استراتيجية الروس في سوريا؟


بدأ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في 30 أيلول/سبتمبر 2015 بطلب من بشار الأسد، الذي كانت قواته قد تكبدت خسائر عسكرية كبيرة. الجيش الروسي لديه قاعدة عسكرية على الساحل، وأصبح لديه الآن قاعدة صغيرة في تدمر.

المصالح الروسية في سوريا تتجاوز بشار الأسد، فموسكو تريد تطويق تركيا، والمصالحة التي ركز عليها الإعلام بين الرئيسين أردوغان وبوتين ما هي إلا لإضفاء طابع رسمي على استئناف تطبيع العلاقات بين البلدين.

كما يرغب بوتين بالضغط عبر إيران على المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم ومنافس روسيا في هذا المجال.




هل يصمد نظام الأسد؟


عندما أعلنت واشنطن وموسكو التوصل لهدنة في سوريا في منتصف أيلول/سبتمبر، قام بشار الأسد بإرسال رسائل متعددة المضامين. فبينما أعلن موافقته على الهدنة، أعاد التأكيد على تصميمه على استعادة كامل الأراضي السورية، واحتفظ بحقه في الرد على جميع هجمات الـ"إرهابيين"، وهي الصفة التي تطلقها دمشق على جميع الفصائل المعارضة لها منذ بدء الصراع في آذار/مارس 2011. وبعد أربعة أيام على بدء وقف إطلاق النار في سوريا، تجدد القصف في ضواحي دمشق وعلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب.

بالنسبة للنظام، تمثل حلب تحديا كبيرا. وفقا لفابريس بالانش، تنوي دمشق الإبقاء على وضعية الحكم الذاتي التي حصل عليها الأكراد. كما تسعى دمشق للحفاظ على استمرارية عمل مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة المعارضة، وهو"جزء من استراتيجية مكافحة التمرد التي يتبعها النظام" برأي فابريس بالانش.


خريطة: مكاسب النظام منذ بدء التدخل الروسي

تظهر في هذه الخريطة المناطق التي يسيطر عليها النظام وتلك التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، ورسم توضيحي يبين المدن التي كسبها النظام والتي فقدها.




كيف أصبح وضع تنظيم "الدولة الإسلامية" ؟


بعد نجاحه في السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي السورية، تلقى تنظيم "الدولة الإسلامية" مجموعة هزائم على عدة جبهات وبدأ نفوذه بالانحسار منذ بداية العام 2016. خسر التنظيم المتطرف الكثير، إذ أنه خسر القريتين وتدمر، وهي المناطق التي مثلت استعادتها مكسبا ذا رمزية كبيرة لقوات الأسد. كما فقد التنظيم مدينة منبج في شمال البلاد أمام الأكراد المدعومين من قوات التحالف الدولي، وخسر أمام الأتراك قرى عديدة بينها قرية الراعي الاستراتيجية. لكن التنظيم الإرهابي لا يزال متمسكا بمعقله الرئيسي في الرقة، حيث تمكن من صد تقدم قوات النظام على أطراف المحافظة.