فرنسيون من أصول عربية، البعض منهم اختار فرنسا كبلد جديد جاء إليه باحثا عن أحلام "كبيرة" عجز عن تحقيقها في بلده الأم، والبعض الآخر ولد وكبر فيها وكبرت معه أحلام فرنسي يأمل أن يجد في برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية طريقا لتحقيقها.

غالبيتهم من سكان العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها، مفتاح الفوز في الانتخابات الرئاسية. ينتمون للجالية المسلمة التي تبقى عاجزة عن فرض نفسها كقوة انتخابية يحسب لها حساب خلال الحملات الانتخابية رغم تعدادها الذي يفوق 8 ملايين، بل على العكس صارت عند بعض المرشحين الفئة التي يجب حصد أصوات الناخبين عبر مهاجمتها، خاصة في معسكري اليمين واليمين المتطرف.

علي، صبرينا، هيكل ومحمد ... ينتمون لهذه الفئة من الناخبين الفرنسين، يتحدثون عن رؤيتهم للرئيس المثالي، تطلعاتهم لفرنسا الغد مع رئيس جديد قد يحمل ألوان اليمين المتطرف، وعن حلم رؤية ابن مهاجر عربي مسلم يجلس يوما على كرسي الرئاسة.


علي


لوبان في الدور الأول: ما كان زلزالا انتخابيا بالأمس صار اليوم بديهيا


مطعم "الإخوة الأربعة" واحد من أقدم المطاعم الحلال في العاصمة الفرنسية باريس، هو نتيجة عمل أفراد قرروا دخول سوق "المائدة الحلال" عام 1999 بحي مليمنتون شمال العاصمة باريس، المعروف بمزيجه الثقافي وبالجالية العربية الكبيرة المتواجدة فيه.
لم تكن "المغامرة" سهلة في السنوات الأولى، خصوصا بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، حيث صدمت الهجمات الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة باسم الإسلام والمسلمين، الرأي العام الفرنسي، وجعلت السلطات الفرنسية تتشدد في عمليات المراقبة والإجراءات الأمنية خاصة في الأحياء والأماكن التي يتواجد فيها أبناء الجالية العربية والمسلمة بكثرة.

المطعم دفع جزءا من فاتورة الوضع الأمني الهش وصعود تيار الإسلام الجهادي المتطرف، إذ يقول مديره علي "غداة هجمات 11 سبتمبر، كثرت مداهمات الشرطة لنا، وجميع أنواع المراقبات الإدارية التي تبعتها. الجالية المسلمة التي كانت تتردد على المطعم قل مجيئها لدرجة كبيرة بسبب الخوف الذي تملك أفرادها. تكرر الوضع مع اعتداءات باريس الأخيرة، لحسن الحظ أن عددا كبيرا من الفرنسيين والسياح فرقوا بين الإرهابيين الذين يقومون بتلك الجرائم والمسلمين الذين هم أول ضحاياها.... وتلقينا شهادات مساندة ودعم من قبل الكثير من الزبائن".





رغم عمله الطويل في المطعم الذي يستهلك معظم ساعات يومه، يهتم علي كثيرا بالانتخابات الرئاسية وما يحدث على الساحة السياسية الفرنسية، ولكن لأول مرة في حياته يقول بأنه لم يتمكن بعد من اختيار المرشح الذي سيصوت له قبل أقل من ثلاثة أسابيع من موعد الاستحقاق الانتخابي. صوت علي دائما للوسط الفرنسي، وعمل اليوم بمبدأ حذف الأكثر سوءا بين المرشحين الخمسة الأوائل، يبدأ علي أولا بشطب اسم مارين لوبان فبالنسبة لها العرب والمسلمون هم سبب بلاء فرنسا، يتبعها فرانسوا فيون الذي يقول بأنه ربما الأخطر لأن لديه القدرة على قول أشياء صادمة وتمرير قوانين خطيرة ضد المسلمين والعرب بلغة وطريقة عادية تشبه طريقة المعلم مع تلاميذه. يتبعهما هامون، لأنه (علي) لم يكن يوما اشتراكيا، فماكرون رغم أنه مرشح يتأقلم مع الوضع في كل مرة وبرنامجه غامض لدرجة كبيرة إلا أنه قد يقدم حلولا من الناحية الاقتصادية، وأخيرا ميلنشون الذي رغم أنه يتعارض مع بعض أفكاره إلا أنه أقل المرشحين انتهازية.

ويتأسف علي، كون غالبية المرشحين في هذه الانتخابات يتخذون من قضية الأمن موضوعهم الانتخابي الأول للتفرقة بين الفرنسين وخلق جو من الخوف الدائم تجاه العرب والمسلمين، أكثر من بحثهم عن حلول لمشاكل البطالة والسكن.
ويتأسف علي أيضا لكون الجالية المسلمة تظل عاجزة عن تنظيم نفسها لتصير قوة انتخابية كبيرة تتمكن من انتزاع حقوقها والدفاع عن نفسها كذلك. "الوضع الذي استغله جيدا اليمين المتطرف اليوم، فبعدما كان وصول لوبان للدور الثاني يعتبر زلزالا انتخابيا في الماضي، صار اليوم أمرا بديهيا". لا يعتقد علي بفكرة أن يجلس ابن مهاجر عربي ومسلم يوما على كرسي الرئاسة، متسائلا "ابن مهاجر عربي ومسلم رئيسا لفرنسا؟؟ لا أظن أن ذلك سيحدث يوما، على الأقل لن يحدث الأمر غدا". مضيفا "ماذا لو كان فيون عربيا مسلما؟ أتظنون أنه سيترشح للانتخابات؟ لا طبعا فسيكون حاله حال كريم بنزيمة".

"ماذا لو كان فيون عربيا مسلما؟ أتظنون أنه سيترشح للانتخابات لا طبعا فسيكون حاله حال كريم بنزيمة"


صبرينا


"علينا تقبل فكرة امرأة رئيسة للجمهورية وبعدها ابن مهاجر عربي"


رغم انهماكها خلال الأشهر الأخيرة في التحضير لرسالة التخرج في اختصاص القانون الاجتماعي من جامعة "بانتيون - أساس" بباريس، إلا أن الانتخابات الرئاسية تأخذ قسطا كبيرا من وقتها: متابعة المناظرات التلفزيونية، قراءة برامج المرشحين، تصفح ما يدور حول الاستحقاق الرئاسي على وسائل التواصل الاجتماعي... وعلى غرار الفرنسيين الشباب في مثل سنها، تريد صابرينا أن يكون لها صوت في اختيار من سيحكم فرنسا للخمس سنوات المقبلة.

صابرينا، فرنسية من أصل جزائري، جاءت إلى فرنسا مع عائلتها وعمرها تسع سنوات، تعتبر نفسها اليوم "مواطنة فرنسية بكامل الحقوق والواجبات"، وقبل أن تصير كذلك مرت بمراحل صعبة، أثرت عليها كثيرا وكانت عاملا رئيسيا في اختياراتها الدراسية والمهنية بعد ذلك.
فالسنوات الأولى لعائلة صابرينا لم تكن بالسهلة، عاشت خلالها "متخفية" بدون وثائق طيلة خمس سنوات، وأصعب شيء كان "الشعور الدائم بالخوف، الخوف من الشرطة، من عمليات المراقبة المتكررة، من نظرات البعض عندما يعلمون أن عائلتك لا تملك وثائق وتقيم بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية".





وتضيف "ربما عانى والداي أكثر مني في السنوات الأولى التي كنا فيها بدون وثائق، في عمليات البحث عن مسكن، عن عمل، عن مدارس لنا... أما أنا وأخي فكنا صغيرين لا نفهم بعد كل هذه التعقيدات وما تعنيه من أن تعيش على هامش المجتمع، ما أذكره جيدا هو أنه كان يقال لنا دوما لا نستطيع العودة الآن للجزائر... إحساس كان يقيدني ويجعلني أشعر دوما بأنني لست حرة".

وللدفاع عن مهاجرين وأجانب كانت مثلهم ذات يوم اختارت صابرينا المحاماة، وبعد ذلك النضال السياسي في حركة رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان "الجمهورية المتضامنة" لأنه حسب رأيها فإن الرجل" أراد أن يلم شمل الفرنسيين بمختلف أطيافهم وأصولهم بعيدا عن التجاذبات السياسية التقليدية بين اليمين واليسار، ولم يبن برنامجه السياسي على إقصاء فئة على حساب فئة أخرى، بل الباب كان مفتوحا لكل الذين يؤمنون بفكرة بناء جمهورية تتضامن مع الجميع، بدليل أن بعض مناصري الجبهة الوطنية انضموا إليه في 2012 بعدما خذلتهم أفكار مارين لوبان، كما أنه أبدى تضامنا مع المهاجرين والعرب في الكثير من المواقف على المستوى الوطني والدولي".

من بين المرشحين الـ11 للانتخابات الرئاسية تقول صابرينا إنه لا أحد أقنعها بأفكاره وبرنامجه، ولكنها ستنتخب لأن "الامتناع سيكون لصالح اليمين المتطرف الذي يمثل كارثة على الفرنسيين خاصة الأجانب منهم"، لذا اختارت صابرينا، عملا بمبدأ الإقصاء كذلك، مرشحا تقول بأنه ينتمي لليسار الفرنسي من دون أن تفصح عن اسمه.
أسوأ سيناريو يمكن أن تشهده فرنسا في 23 أبريل/نيسان الجاري حسب صابرينا هو ثنائي فيون- لوبان إذ تقول "إذا فاز فرانسوا فيون ومارين لوبان في الدور الأول سنكون مجبرين على التصويت لفيون رغم كل الفضائح التي هو متهم فيها... شخصيا أتمنى فوز ماكرون وهامون ستكون هنالك إثارة أكبر في الدور الثاني".

لا تبدي صابرينا تفاؤلا كبيرا من إمكانية رؤية ابن مهاجر عربي رئيسا لفرنسا غدا، "فالطريق لذلك يبقى طويلا جدا"، إذ تقول " تلزمنا عقود طويلة لتتغير الذهنيات في فرنسا لتقبل فكرة اختيار ابن مهاجر عربي رئيسا، وقبل ذلك على الناخبين الفرنسيين تقبل فكرة اختيار امرأة لهذا المنصب، ففي تاريخ فرنسا كلها لم تنتخب امرأة ولا مرة واحدة رئيسة للبلاد".

"الامتناع عن التصويت سيكون لصالح اليمين المتطرف الذي يمثل كارثة على الفرنسيين خاصة الأجانب منهم"


هيكل


"نشر الثقافة العربية لدى الأطفال"


بين الكتب والروايات المعروضة على رفوف مكتبة معهد العالم العربي بباريس ألعاب تعليمية موجهة للأطفال باللغة العربية، من دار نشر فرنسية تدعى "دارادم".

تجربة الدار أطلقها فرنسيان من أصول أجنبية (هيكل تونسي وهانا مجرية)، بدأت قبل 6 سنوات عندما رزقا بابنهما الأول، ولم يجدا ألعابا باللغة العربية تنمي فكره وقدراته العقلية من جهة وتربطه بالثقافة الإسلامية العربية التي يريد الزوجان أن يورثاها له حيث يقول هيكل "زوجتي مصممة غرافيك ومولعة بالفن والثقافة العربية، بحكم عملها مع زبائن من الشرق الأوسط قررنا معا إطلاق كتب وألعاب تعليمية للأطفال لتعلم اللغة العربية واكتشاف التراث الثقافي العربي من خلال اللعبة لأنها أحسن وسيلة لتلقي المعارف في هذا العمر".





رغم نشأتها الحديثة، إلا أن الدار حاضرة في العديد من البلدان الأوروبية، وبعض الدول العربية كتونس والمغرب ولبنان قريبا، ويأمل الزوجان أن تواصل تطورها للمساهمة في تعليم اللغة العربية والتعريف بالإرث الثقافي الإسلامي في البلدان الغربية.

يبدي هيكل اهتماما خاصا بالانتخابات الرئاسية هذا العام، كونها "ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل فرنسا ومستقبل أولادنا كذلك... فالسياق الاجتماعي والاقتصادي في فرنسا بحاجة إلى جملة إصلاحات حقيقية، تغيير جذري ورؤية طويلة الأمد... ولكي أشارك في بناء ذلك واختيار الرئيس الأقدر على تجسيده، أتابع عن كثب برامج مختلف المرشحين وقد اخترت المرشح الذي سأضع اسمه في صندوق الاقتراع في 23 نيسان/أبريل".

يبدي هيكل تفاؤلا كبيرا من إمكانية رؤية ابن مهاجر عربي ومسلم رئيسا لفرنسا يوما ما إذ يقول "إذا كان يملك المؤهلات اللازمة لتولي هذا المنصب فلم لا؟ خصوصا وأن رئيسا فرنسيا مع أصول (وثقافة) عربية سيشكل انفتاحا على الآخرين وتعددية ثقافية هامة، مما يمكنه أن يخدم فرنسا على مستويات كثيرة خاصة الدبلوماسية منها والاقتصادية".

"رئيس فرنسي مع أصول (وثقافة) عربية سيشكل انفتاحا على الآخرين وتعددية ثقافية هامة"




محمد


"حياتي باتت خلفي، أفكر اليوم في مستقبل أولادي في فرنسا"


على رصيف شارع بلفيل بالدائرة الباريسية الـ11 يجلس ثلاثة مهاجرين مغاربة، يتحدثون اليوم (5 نيسان/أبريل) عن الصعوبات الإدارية التي تواجه أحدهم في ملف التقاعد، يتحدثون قليلا عن أحوال الطقس المتقلبة في باريس، وكثيرا عن المناظرة التلفزيونية التي جرت أمس بين المرشحين 11 للانتخابات الرئاسية الفرنسية.

الثلاثة لا يعرفون أسماء جميع المرشحين الذين شاركوا في المناظرة، إلا أنهم يعرفون جيدا أسماء الخمسة الأكثر حظا للفوز في هذه الانتخابات (فيون، لوبان، ماكرون، هامون وميلنشون).
محمد عجمي واحد من المهاجرين الذين جاؤوا من بلدان شمال أفريقيا في السبعينات والثمانينات للعمل في المصانع وورش البناء. بعد سنوات من العمل بدون وثائق، استفاد في الثمانينات من قرار الرئيس فرانسوا ميتران بمنح الأوراق للمهاجرين المقيمين بطريقة غير شرعية، ليحصل بعد ذلك على عمل دائم حتى تعرضه لحادث عام 1992 أصيب خلاله بإعاقة.





بعد نحو أربعين عاما في فرنسا لا رغبة لدى محمد بالعودة للعيش على مدار السنة في بلده الأصلي تونس "حياتي هنا، وكل ما أملك هنا، قضيت أكثر من نصف عمري في فرنسا، أولادي الأربعة ولدوا هنا، ويمكن أن أموت هنا كذلك".
على غرار العديد من المتقاعدين المغاربيين الذين يعيشون في فرنسا يأمل محمد أن يهتم الرئيس الفرنسي الجديد بأمور المهاجرين المتقاعدين الذين خدموا فرنسا لسنوات، رغم أنه يعرف بأنه "مهما كان اسم الرئيس الجديد فلن يغير الأمور بين ليلة وضحاها، فلا أحد يملك عصا سحرية" ويضيف "الحياة باتت خلفي، ما أفكر فيه هو مستقبل أولادي الذين ولدوا هنا وعليهم أن يعيشوا كبقية الفرنسيين بحقوقهم وواجباتهم كذلك، فقد حرصت منذ صغرهم على تلقينهم تربية جيدة، لأن الشهادات العليا وحدها تفتح لهم الأبواب غدا".

لم يختر محمد بعد المرشح الذي سيصوت له في 23 نيسان/أبريل الجاري، يتوقع، مثل استطلاعات الرأي، أن يفوز ماكرون في الدور الأول، يبدي إعجابا قليلا بميلنشون وحماسه الانتخابي، ويتمنى ألا تصل لوبان إلى الحكم لأنها "تكره المسلمين والعرب".

"مهما كان اسم الرئيس الجديد فلن يغير الأمور بين ليلة وضحاها، فلا أحد يملك عصا سحرية"